[size=21]الحلم والرفق في حياة عثمان
د. راغب السرجانى
حلمه ورفقه كانا سببًا في الإساءة إليه وخروج البغاة عليه
في سنة 26هـ زاد عثمان رضي الله عنه في المسجد الحرام ووسعه وابتاع من قوم،
وَأَبَى آخرون، فهدم عليهم، ووضع الأثمان في بيت المال، فصيّحوا بعثمان،
فأمر بهم بالحبس، وقال : " أتدرون ما جرأكم عليَّ؟ ما جرأكم عليَّ إلا
حلمي، قد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا به ". ثم كلمه فيهم عبد الله بن خالد
بن أسيد، فأخرجوا.
ويقول في إحدى خطبه بعد تفاقم الفتنة : " آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة،
عيّابون طعّانون، يرونكم ما تحبون ويسترون عنكم ما تكرهون، يقولون لكم
وتقولون، أمثال النعام يتبعون أول ناعق، لا يشربون إلا نغصوا، ولا يردون
إلا عكرًا، لا يقوم لهم رائد وقد أعيتهم الأمور، ألا فقد والله عبتم عليّ
ما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم
بلسانه، فلستم له على ما أحببتم وكرهتم، ولنت لكم وأوطأتكم كنفي، وكففت
عنكم يدي ولساني فاجترأتم عليَّ، أما والله لأنا أعز نفرًا وأقرب ناصرًا
وأكثر عددًا وأحرى إن قلت : هلم. أُتِي إلي، ولقد أعددت لكم أقرانًا وأفضلت
عليكم فضولاً، وكشرت لكم عن نابي، وأخرجتم مني خلقًا لم أكن أحسنه،
ومنطقًا لم أنطق به، فكفوا عني ألسنتكم وعيبكم وطعنكم على ولاتكم، فإني
كففت عنكم من لو كان هو الذي يكلمهم رضيتم مني بدون منطقي هذا، ألا فما
تفقدون من حقكم؟ والله ما قصرت عن بلوغ ما بلغ من كان قبلي، ولم تكونوا
تختلفون ".
حلمه حتى مع الخارجين عليه
وقال رضي الله عنه في أيام الفتنة : "أستغفر الله إن كنت من ظَلَمْتُ، وقد عفوت إن كنت ظُلِمْتُ".
قال له معاوية : انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قِبَل لك به،
فإن أهل الشام على الأمر لم يزالوا. فقال له عثمان: أنا لا أبيع جوار
الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء، وإن كان فيه قطع خيط عنقي. فقال له
معاوية: فأبعث إليك جندًا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت
المدينة أو إياك؟ فقال عثمان: أنا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه
وسلم الأرزاق بجند يساكنهم، وأضيق على أهل الهجرة والنصرة! فقال معاوية:
والله يا أمير المؤمنين لتغتالين أو لتغزين. قال عثمان رضي الله عنه: حسبي
الله ونعم الوكيل.